موسيقى غربية بأنامل سعودية

يكفي أن تقوم بجولة في Bohemia Art Café في الخبر مساء يوم السبت من كل أسبوع لتلاحظ ازدحام المكان بالرواد الذين يقصدونه للاستمتاع بأداء أحدث فرق المدينة، أي Zamzam Music، وهي، بحسب ما يشير إليه حسابها على إنستغرام، فرقة Indie/Folk من الخبر. وتصف عضو الفرقة زمزم الكوهجي موسيقاها بأنها "تجريبية"، لافتة إلى أنه يتم اختيار مقطوعات كلاسيكية للثنائي الأميركي Simon & Garfunkel أحياناً ومقاطع للثنائي Indigo Girls أو لفنانين معاصرين مثل تايلور سويفت أحياناً أخرى.

• 

• 

بدأت الكوهجي رحلتها في عالم الموسيقى في سنّ مبكرة، وتحديداً حين كانت تستمع إلى البانك وموسيقى روك الغرب الأوسط الأميركي. في ذلك الحين، شهدت المنطقة الشرقية، مع زيادة أعداد المغتربين وبفعل قربها من البحرين، تأسيس محطات إذاعية وتلفزيونية كانت تبث الموسيقى التي تلبي ذوق الجمهور الغربي. وهناك نشأت زمزم في الألفية الثانية، وهي تتذكر راديو 91.4 الذي كان يبث موسيقى روك تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتذكر في هذا السياق عروض بروس سبرنغستين، فو فايترز، ديفيد بوي وAC/DC.

وإذ تتحدث عن تلك الأجواء تقول: "خصص الإعلام مساحة مهمة للموسيقى (والثقافة) الغربية، وهو ما ترك أثره في حياة جيل أنتمي إليه"، مضيفة أن أعمامها كانوا يعزفون الموسيقى في سنوات الثمانينات والتسعينيات في المناسبات الخاصة في البحرين وأن هذا أثر إلى حد كبير على مسيرتها كفنانة.

وقبل نحو عامين، تواصلت مع القيمين على Bohemia Art Café وقدمت لهم CD خاصاً بها، فدعاها هؤلاء إلى الحضور والعزف خلال عرض موسيقي مباشر. وهي تعلق على هذا بالقول: "لم تشهد سنوات مراهقتي نشوء أماكن مثل Bohemia Art Café، لكنها أصبحت اليوم إحدى ركائز المجتمع الموسيقي".

وبناءً على مرسوم ملكي صدر في العام 2019، أعلنت الهيئة العامة للترفيه في السعودية أنه يُسمح ببث الموسيقى من خلال المؤسسات الحاصلة على ترخيص، وهكذا بات Bohemia Art Café أحد الأماكن التي شكلت علامة فارقة في المشهد التغييري في الخبر.

في البدء كان هذا المكان متجراً يمكن للسعوديين أن يقصدوه لشراء أحدث تسجيلات فنانيهم المفضلين أو ربما للتعرف إلى فنانين جدد، على حد تعبير فواز السليم، المؤسس الشريك لهذه المساحة المميزة. إلا أن هوية المكان بدأت تشهد انقلاباً واضحاً منذ تحول إلى فسحة يقصدها موسيقيون يتمتعون بالموهبة، وهذا ما دفع المالكين إلى استضافة عروض مباشرة يحييها مبدعون محليون. وهكذا بدأت الموسيقى الحيّة تجذب كثيراً من الرواد والموسيقيين، حتى أن بعض هؤلاء باتوا يؤمون المكان من خارج المنطقة الشرقية. وبين عشية وضحاها اتسعت هويته أكثر لتشمل تسجيل الموسيقى والاجتماع حول الموسيقى الحيّة.

وعلى غرار Bohemia Art Café يُعد Syrup نقطة جذب للمجتمع الإبداعي في الرياض، فهناك يلتقي كثير من الفنانين وعشاق الموسيقى بشكل منتظم. وهو ما تشير إليه أمجاد، مديرة فناني الهيفي ميتل (مديرة ترويج موسيقى الميتال في السعودية بحسب حسابها على إنستغرام) والتي تُعرف أيضاً باسم "جيجي أرابيا" بالقول: "ربّما يُعتبر Syrup المكان الأول الذي فتح أبوابه أمام فناني الهيفي ميتل والناس".

بالفعل، يتم في هذه المساحة المميزة، إحياء ليالي موسيقى الميتل والكاراوكي (الكاريوكي)، وهو ما تعلق عليه جيجي قائلة: "تبث هذه الأجواء دائماً الطاقة الإيجابية والرواد يحبون ذلك".

• 

• 

أما مسيرتها الموسيقية فانطلقت منذ كانت تستمع إلى الموسيقى بوسائط متعددة. وتتذكر في هذا السياق أنها كانت تشاهد فيديوهات موسيقى MTV لساعات طويلة وتقوم بجولة على متاجر الـCD الموسيقية في الرياض بين أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثانية. وهي تضيف إلى هذا ضاحكةً القول: "في ذلك الوقت كانت الطريقة الوحيدة لاكتشاف الموسيقى هي الذهاب إلى متاجر التسجيلات وشراء الألبومات".

كذلك تتذكر الفنانة أنها تعرفت على بعض الأنواع الموسيقية من خلال Yahoo، غرف الدردشة وMyspace، وتتابع: "تغيرت معطيات اللعبة بالنسبة إليّ، لقد تطورت ذائقتي الموسيقية فالتحقت بعالم الهيفي ميتل".
في سنوات مراهقتها أظهرت جيجي توقها إلى أن تصبح نجمة روك. وهكذا أطلقت فرقة ديو لم تلبث أن أنهت مسيرتها مع انتهاء سنوات الدراسة. لكن حين أصبح بث الموسيقى متاحاً في المملكة، استعادت حلمها وانتقلت إلى العمل في مجال إدارة الفنانين وتوفير التسهيلات للعروض الموسيقية. كذلك أسست Heavy Arabia Entertainment، وهي شركة خاصة تهدف إلى تطوير المواهب المرتبطة بعالم الهيفي ميتل والترويج لها.

وإلى جانب انطلاقها في عالم جديد تماماً، تواجه جيجي تحدياً آخر يرتبط بتثقيف الجمهور في إطار نوع موسيقي لطالما أطلقت عليه الأحكام المسبقة. وهو ما توضحه فتقول: "يعتقد الجميع أن الهيفي ميتل موسيقى غاضبة أو أنها تحرض على العنف أو أن من يستمعون إليها أشخاص مضطربين". في حين يبدي جزء كبير من الجمهور ردود فعل إيجابية تجاه هذا النوع من الموسيقى.

ويهدف عملها إلى تصحيح هذه الصورة النمطية أو هذا الاعتقاد الخاطئ من ناحية، وإلى بناء مجتمع "هيفي ميتل" يمكنه التعايش مع أنواع أخرى تتضمنها صناعة الترفيه في السعودية من ناحية أخرى. وهي تشير إلى أن هيئة الموسيقى (التابعة للهيئة العامة للترفيه) تنظر في شأن موسيقى الهيفي ميتل رغم أنها ما زالت تنمو "تحت الأرض" وتشكل موضع اهتمام مجتمع خاص.

ولدى سؤالها عن ردود أفعال الجمهور تجاه الهيفي ميتال، أشارت جيجي إلى أن كثراً يُظهرون استمتاعهم به وإن كانوا لا يستمعون إليه غالباً.

ولا بد أيضاً من ذكر مساحة إبداعية أخرى ناشئة تساهم في دعم المواهب المحلية، وهي The Warehouse ومقرها حي جاكس في الرياض. ويتيح هذا المكان فرصة التعبير لأصحاب المواهب الموسيقية المتنوعة، كما يساهم في نقل تراث المملكة الموسيقي إلى العالم. وعلى أرض هذه المساحة وجدت فرقة "سيرة"، فرقة الروك العربية التي تضم مجموعة من الفتيات، قاعدة من متابعي أعمالها والمعجبين بها.

وقد تأثرت هيا الحجيلان، عازفة الغيتار الرئيسية في الفرقة، إلى حد كبير بالأغنيات الكلاسيكية الشعبية، مثل "بنت الشلبية" للسيدة فيروز، "فوق النخل" لإلهام المدفعي، و"إنت عمري" لأم كلثوم، بل أيضاً بنيرفانا، جيمي هاندركس وMTV.

وإذ تروي فصلاً من سيرتها الفنية تقول: "كنت أشاهد تلك العروض وأحدث نفسي قائلة إن هذا ما أريد فعله، لكن في ذلك الوقت، كان المشهد في السعودية مختلفاً عما هو عليه اليوم".

في الواقع، شكلت الموسيقى جزءاً مهماً من نشأة الحجيلان (تعلمت عزف البيانو والتشيلو في مرحلة طفولتها)، إلا أنها لم تتمكن من خوض التجربة الموسيقية في السعودية، لذا قررت متابعة دراستها في مجال علم النفس في الولايات المتحدة الأميركية. وفور عودتها إلى المملكة، لاحظت الانفتاح الحاصل على مستوى الترفيه وتحوّل الحلم الموسيقي إلى حقيقة. وتعليقاً تقول: "لطالما حلمت بتشكيل فرقة وبأن يتم التعامل مع مهنتي الموسيقية بجدية".

وتروي الحجيلان أنها كانت تستمع أولاً إلى موسيقى الـ grunge، البانك أو الفلامنكو، وأنها اكتشفت، بعد نضوج موهبتها الموسيقية، ميلها إلى موسيقى الأناضول السايكدلية الشعبية. وهو ما تعبر عنه بقولها: "يجمع الروك السايكدلي عالميّ العلم السايكدلي والموسيقى، وثمة علاقة وثيقة تربطني بالتراث إذ أريد الغناء باللغة العربية. ورغم أن لدى زملائي في الفرقة اهتمامات متنوعة، فقد أعلنا أننا فرقة موسيقية عربية تهتم بموسيقى الروك".

ولدى سؤالها عن مدى تقبل الجمهور لهذا النوع من الموسيقى في السعودية، أجابت أن أكثر من 200 شخص حضروا الحفل الأول الذي أقامته الفرقة في The Warehouse.

تعمل الحجيلان أيضاً مع هيئة الموسيقى كاختصاصية في مجال تنظيم المناسبات، علماً أنها من أشد المدافعين عن رؤية الهيئة التي تهدف إلى بناء البنية التحتية لصناعة الموسيقى من الألف إلى الياء.

وتأمل هيا أن تشهد السعودية، في السنوات المقبلة، مزيداً من العروض والأحداث الموسيقية ومن الدعم للفعاليات الترفيهية. ولا تمنعها التحديات اللوجستية، التي يمكن أن تواجهها صناعة الموسيقى الآخذة في الازدهار، من الاعتقاد بأن الرياض ستتحول إلى وجهة موسيقية عالمية، على غرار نيويورك وبرلين. وقد توجهت بالشكر إلى مهرجان MDLBEAST الذي وضع المملكة على خريطة العالم على المستوى الفني.

وذكرت الحجيلان أن أعمار 70% من أبناء الجيل الشاب في السعودية لا تتخطى الـ35 عاماً، مؤكدة أن هذه التركيبة السكانية تساعد على نمو المشهد الموسيقي، وختمت بالقول: "لدينا كثير من المواهب المتنوعة، من مغني الأوبرا إلى فناني الميتال وموسيقيي الكيبوب (الموسيقى الكورية)… كل ما يتطلبه الأمر هو تأمين الرعاية".

هنا يمكنك الاستماع إلى موسيقى حيّة يؤديها هؤلاء الفنانون، فاحرص على متابعة حساباتهم على إنستغرام لتحصل على معلومات عن عروضهم المقبلة

الخبر
جهة العرض: Zamzam Music
المكان: Bohemia Art Café

الرياض
جهة العرض: Heavy Arabia Entertainment
المكان: Syrup

الرياض
جهة العرض: فرقة "سيرة"
المكان: The Warehouse في حي جاكس